أحبتي الكرام في هذه الزاوية سيكون حديثي وعلى تسلسل بإذن الله عن الذات دراسة نفسية متخصصة للذات البشرية ومحور حديثنا (( بأي ذنب قتلت )) وقد يكون القتيل هو القاتل .
نركز في حوارنا وفي دراستنا عن الصمت هذه الصفة التي يغفل عنها الكثير بل قد يعتبرها أغلب المربين إنها صفة لحسن الأدب والسمع والطاعة وهي بالتأكيد دلالة غير صريحة لذلك .
في مقالنا هذا سنركز على خاصية الوضوح في تعاملنا وكيف يكون الصمت سبب في كثير من الخلاف ، وفي إعتقادي لا يوجد خلاف بين طرفين متحابين إلا والصمت سببه الأساس .
للصمت جوانب إيجابية وجوانب سلبية لا شك في ذلك وهي ما نتكم عنها وما نحاول أن نعالج الصمت السلبي
الصمت عن الحق أو المدافعة عن الحق صمت سلبي
الصمت الذي يسلب الانسان حريته صمت سلبي
الصمت الذي يجعل الانسان أسير ومكسوراً صمت سلبي
لذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة بعد غزوة أحد أن لا يصمتوا ويردوا على أبي سفيان حين قال أعلوا هبل فقال الرسول قولوا الله أعلى وأجل وقال لهم أيضاً قولوا الله مولانا ولا مولى لكم
الصمت في التأمل والتدبر في ملكوت الله أو الصمت عن الكلام البذيئ صمت مشروع ومطلوب .
وكما قال الرسول لمعاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد السنتهم
أما الصمت الذي نرفضه هو الصمت الذي يقتل الذات، الصمت الذي يجعلك محبط ويجعلك مقيد تجاه تهجم أو شتم أو تنقص يهين ذاتك .
تأمل معي هذا القصة توضح لك الصمت حين يكون قاتل للذات
صحبت ابن عمر إلى المدينة ، فلم أسمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حديثا واحدا ، قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتي بجمار ، فقال : إن من الشجرة شجرة ، مثلها كمثل المسلم . فأردت أن أقول : هي النخلة ، فإذا أنا أصغر القوم ، فسكت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هي النخلة .
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 72
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
وحجة الصحابي الجليل حجة غير مبرره وهذه الحجج هي من تأسر الصامتون عن الإفصاح عن ذاتهم فتجدهم معزولين لحجج من تأويلهم لا تكون غالباً في صالحهم .
قال تعالي :{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً }النساء140
صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ، ثم أقبل على الناس فقال : ( بينا رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها ، فقالت : إنا لم نخلق لهذا ، إنما خلقنا للحرث ) . فقال الناس : سبحان الله بقرة تكلم ، فقال : ( فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر - وما هما ثم - وبينما رجل في غنمه إذ عدا الذئب فذهب منها بشاة ، فطلب حتى كأنه استنقذها منه ، فقال له الذئب هذا : استنقذتها مني ، فمن لها يوم السبع ، يوم لا راعي لها غيري ) . فقال الناس : سبحان الله ذئب يتكلم ، قال : ( فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر ) . وما هما ثم .الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3471
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
وللفيلسوف الرائع فريدريش فلسفة في الصمت فيقول (( سأتناول قدح من مربى الفواكة كي أزيل طعم حكاية حامضة ...
يكفي أن يرتكب أحد ما فعلة كريهة تجاهي كي أجازيه على ذلك مباشرة .إن ذلك أمر مؤكد ، ليكن الجميععلى يقين من ذلك ، سأجد دوماً إن عاجلا أو آجلا مناسبة ما لاتقدم بالشكر ل((المسيئ )) <أحيانا عن إساءته أيضاً > أو لاطلب منه شياً ما ، وهو ما يمكن أن يكون أكثر إلزاما من العطاء ....
يبدو لي أيضاً أن الكلمة الأكثر فجاجة ، والرسالة الأكثر خشونة تظل أكثر فضلا وأكثر شرفاً من الصمت . فاؤلئك الذين يركنون إلى الصمت هم الذين يفتقرون إلى اللياقة وسماحة القلب، إن الصمت إعتراض ، لكن تجرع الغصص ينتج عنه حتماً فساد الطبع ، بل إنه يفسد حتى المعدة ، كل الصموتيين هم من المصابين بسوء الهضم - واضح إذا أنني لا أحبذ أن لا تحظي الفظاظة بما تستحق من الإعتبار ،إنها في نظري الشكل الأكثر إنسانية للتعبير من التناقض ، وهي إحدى فضائلنا الأساسية في ظل الميوعة الحديثة .
التخلص من الضغينة والوضوح تجاه الضغينة )) إنتهى كلامه .
قد يجد الإنسان صعوبة في الحديث والتعبير عن رأيه وذلك لعتبارات أعتبرها واهي وكلنا يؤمن بوهن هذه العبارات منها ماذا يقولون عني لا يفهمني خطأ خليك إنت الكبير وغيرها من الإعتبارات ، ونغفل أن هناك فرق بين سوء الأدب والإفصاح عن المكنون وعن رغبة الشخص ورأيه مجرد عن أي إعتبار وبحسن الخلق .
فالخروج من صفة الصمت لا تكون إلا بتقوية الذات والقناعة باهمية الإفصاح لذا كان السكوت في ديننا صفة سلبية لايقرها الشرع .
دمتم بكل الحب
منقول